كتابات

الهجرة .. تحول نحو بناء الدولة

محمد محسن يعقوب*
مكة ..أرض ضاقت بأهلها و نظام أحكم سيطرته وصادر حق رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه في الدعوة الى الله وممارسة الشعائر ..وبقي قبل الهجرة في مكة مع نفر قليل من أصحابه في حماية المطعم بن عدي وتحت الاقامة الجبرية فكان يقابل وفود الحجيج ليلا متخفيا بعيدا عن انظار قريش ومسامعها فلم يكن هناك للمسلمين شعائر تقام ولا صوت يعلو على صوت قريش ولا قبيلة تحمي وتنصر ..وظن من ظن منهم انهم تخلصوا من خطر كاد يهدم نظامهم المقدس دينيا لدى قبائل العرب ويطيح بمنظومة مصالحهم ..
في هذا التوقيت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه قد اتخذوا خيارا استراتيجيا آخر مضمونه التحول عن مكة الى بلد آخر وعن قريش الى قبيلة أخرى ولكن هذا التحول لابد ان يكون بناء على رغبة وقناعة اهل هذه البلاد واستعدادهم لتبني هذا المشروع وحماية قائده واتباعه و نصرته ومحاربة الابيض والاسود دونه .. هذه الرؤية نسجت في ظل وضع تنكر فيه قوم الرسول صلى الله عليه وسلم واهله له ولفكرته .. اليس بالاحرى تخفيف الاشتراطات والقبول بأي سقف من الحماية؟
إن صانعي التحولات لا تحبس أذهانهم ظروف وتعقيدات مرحلة ما ولا يستسلمون لما يحيط بهم من قيود و تحلق تصوراتهم نحو مستقبل ينشدوه او هدف يريدون تحقيقه ومتطلبات واستحقاقات هذا التحول متخلصين من عبأ الزمان والمكان وارتدادات الاحداث وتقلباتها.
كانت الهجرة ثمرة تلك الاستراتيجية التحولية ونتيجة لتلك التصورات المتمردة على بيئة السطو وظروف الحال المثقلة بالاحباط والمثخنة بالخيبات.. كما كانت مسارا ضروريا للذهاب نحو بناء الدولة واكتساب عناصر القوة وفرض واقع جديد على كافة المسارات الفكرية الاقتصادية والعسكرية والسياسية ..
ولك أن تتخيل أن وضع وتنفيذ هذه الاستراتيجية التحولية كانت في ظل معطيات ميدانية تصب في صالح قريش ونظامها القمعي وكان أبرز ملامحها:
– تشرد المسلمين من مكة وفرارهم نحو الحبشة .. والدخول في معركة سياسية مصيرية مع وفد قريش الذي وصل الحبشة محملا بكل اسباب التفوق الدبلوماسي بهدف إقناع الدولة المضيفة بتسليمهم وكانت ترى في ذلك توجيه الضربة الاخيرة للكيان المسلم .. وقد كسبت الدبلوماسية الشعبية للمسلمين تلك الجولة باقتدار..
– تزايد حالات الموت تحت التعذيب للمسلمين من فئة الرقيق والبحث عن المال لتحريرهم من ملاكهم الذين يمارسون التعذيب في حقهم في الميادين العامة وعلى مرأى ومسمع من الناس.
– وضع وتنفيذ خطة التأمين لبقاء الرسول صلى الله عليه وسلم وثلة من اصحابه في مكة بناء على نظام التامين العرفي والقبلي الذي كان سائدا بين قبائل العرب في حينه والذي يفرض على الخائف الدخول تحت حماية سيد من السادات من ذوي الجاه والشكيمة ليمنحه الحماية مقابل تنفيذ شروط الحامي وقيوده ..
إن قائدا يصنع تحولا نوعيا بهذا الحجم وفي ظل هذه الظروف وينتقل من حالة التشرد والشتات والموت تحت السياط والاقامة تحت شروط الوصاية الى آفاق الدولة ومسار النهوض والتحكم في طرق التجارة وعصب الاقتصاد واخضاع الجزيرة لمشروعه التوسعي الرباني والوصول في بضع سنوات الى بلد طرد منها ومات اصحابه امامه على لظى رملها فاتحا وانحت تلك الرقاب التي ناوئته لمشروعه وسلموا مصيرهم لكلمة من لسانه ؛ انه لرسول قدوة وقائد فذ ومنقذ رحيم اختط السنن وطوع المعضلات بالصبر والايمان و كان نموذج في الانضباط البشري و القيام بالمسؤوليات في وقتها ومكانها و انتهج العدل و احكم البناء ومزق كل خرافة تستخف بالسنن او ترتبط بالهالات او الميزات الخادعه وحث الناس على العمل والبدار الى ميدان التحول وتسريع الخطى وواقعية التفكير وسمو القيم وتهذيب الارواح .

* وكيل محافظة حجة- نقلا من صفحته في الفيسبوك//

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى