سبتمبر.. كرنفال الحرية
محمد يعقوب”وكيل محافظة حجة”:
تبتهج الأرواح قبل الحشود، ويحتفي الوجدان قبل الساح، وتفيض مشاعرنا ولاء وانتماء، وتثبت المدامع حضورها ندية سخية، فاليمن كلها تحتفل ويحتفل كل من فيها؛
وجدان الارض، وعبق التاريخ، وروح القصيدة، وصدى الهتاف، وبوح اللحن.. فسبتمبر مهرجان الأحرار الذي يمتزج فيه وجع الفقد بتطلعات الأجيال ، وألم الخسارة بإنبعاث الأمل.. وكبرياء الوقوف رغم الجراح بسماع نعيق الإمامة وشماتة التافهين. مزيج وهزيج مختلط لاتصفه العبارات ولا تحيط به السرديات.
حضور فذ يسجله سبتمبر المجد والخلود.. يحضر فتحضر أمجادنا وأحلام شعبنا.. ويحضر فيه كلام القلب وهمسة الروح، تقف له ذواتنا شامخة، وتصغي له أعماقنا وكل نابض فينا، تبحلق في محياه تطلعاتنا وصرخات غضبنا المكتوم و أزيز صدورنا المثقلة بالأعباء.
يقف في ساحة عدالته شتات برامجنا وتضارب أفكارنا.. و كبوة عقولنا وآهات مواجعنا وكل سخافاتنا و فصول مآسي نكبتنا..
عدت يا سبتمبر المجد ولكن لم تجدنا نندب الحظ ونروي المآثر.. عدت فوجدتنا نتوشح الصبر ونمتطى المنايا ونقف على ذرى الشوامخ ونستوطن الخنادق ، وقد احتشدت فينا معانيك واحتشد معها كل شتاتنا وكل عروبتنا وكل أنفة واعتزاز تعلمناه من عراقة وطننا، ومن أناشيد ثورتنا ومن وقوفنا في طابور الصباح نعاهد العلم والمعلم والكتاب والراية والطفولة، تجدد عزمنا ونحن نستلهم النصر من ترانيم الأمهات وهي تلحن قصيدة الأرض على مسامع الدنيا ومن مهاجل الأباء وهم يضربون الصخر؛ ليضيؤا لنا مسارات الكرامه ويطعمونا عز الدهر مع عصارة أرواحهم وتطاير عرقهم.
حضرت وقد سطرنا ملحمة نضالية لا يستوعبها فضاء الأقمار ولا ذاكرة التدوين.. لقد كنا ومانزال ندفن أكبادنا مع ابنائنا ونحن نواريهم ونغمض مآقيهم كشهداء؛ نالهم جرم الكهنوت ثم ننفض إلى الوغى والدمع مدرارا والجرح ينزف.. ندوس على الالام ونقف على بقايا القلوب ونسدد الرمي ونحفر في الشدائد ونسد الزمن ونصبر الصبر.
تمزقنا بكل ما تذهب اليه خيال كاتب في مدلول هذه الكلمة.. هدت أروحنا وضاقت نفوسنا وتعبت أجسادنا ودفنا بعضنا ومضغنا مرارة آلامنا، وكنا كما تحب ياسبتمبر.. نار تصلي جحافل الارتزاق وأنصار الاستعباد على شفير الذل ومنقلب الخزي السحيق، وشهد بذلك الشجر والحجر والمطر والقفر والجبل وكل قاحل وساحل وكل شاهق و منخفض.. تضرجنا حتى ارتوينا سقينا جذور كرامتنا بمهج أحبابنا وكتبنا قدر أجيالنا بزاكي دمائنا، وتجدني عاجز واحرفي وكلماتي أن اروي لك مشاهد ملحمة تشبه القيامة ولن تجود قريحة اديب لتروي تفاصيل البطولة ولا عدسة مصور محترف بإمكانها أن تحيط بكرنفال الكرامة.. هي شيء اكبر من حجم الاسفار وأدوات التسجيل وسجلات التوثيق.
وقفت لنا الدنيا منصته نتلوا عليها بيان الصمود ونردد على مسامعها ارجوزة الثبات، فالجمهورية العهد، والحرية الميعاد، والمساوة والعدالة والكرامة غايات النضال، لن نخون ولا نمل ولا تخمد لنا نار ولا سبيل لإخافة ركبنا واندفاع إرادتنا ولجم عنفواننا.
قف ياسبتمبر المجد في صف النضال اليمني واشمخ نحو السماء فأنت أنت ونحن نحن والعابث مدحور والإمامة ستولي هاربة وستشرق شمس أمجادنا عن قريب.