كتابات

انعكاسات الأزمة السورية على اليمن: قراءه استراتيجيه معمقة

عبدالاله عزالدين:

الأحداث المتسارعة في سوريا تحمل في طياتها دلالات عميقة لا تقتصر على حدودها الجغرافية، بل تمتد تأثيراتها لتعيد تشكيل التوازنات الإقليمية والدولية. اليمن، الذي يقف على مفترق طرق، يمكن أن يستفيد من هذه التحولات إذا قرأ المشهد بعين استراتيجية تستوعب التعقيدات وتدرك الفرص.

الصراع في سوريا كشف عن حقيقة الصراعات المركبة التي تدار بين القوى الدولية والإقليمية، وقدم دروسًا بالغة الأهمية في كيفية إدارة الأزمات الممتدة واستثمار التحالفات. اليمن، بحكم موقعه وتاريخه، يمتلك كل المقومات التي تخوله لعب دور محوري في المشهد الإقليمي. ومع انشغال القوى الإقليمية والدولية في سوريا، تبدو الفرصة مواتية لليمن لتعيد صياغة واقعها الداخلي والخارجي.

إن انخراط إيران في المستنقع السوري واستنزاف مواردها هناك يفتح نافذة ثمينة لليمن. هذا الانشغال يقلل من دعمها للميليشيات التي تسعى لزعزعة أمن واستقرار اليمن. هذه اللحظة التاريخية تتطلب تحركًا حاسمًا لتعزيز موقع الدولة الشرعية واستغلال هذا الضعف النسبي للخصوم.

التحولات في سوريا تؤكد أهمية بناء تحالفات إقليمية قوية. اليمن يمكن أن يعزز موقعه من خلال تقديم نفسه كشريك موثوق وركيزة لاستقرار المنطقة. الخطاب السياسي اليمني يحتاج إلى لغة جديدة تقدم اليمن كرمز للتماسك الوطني والمقاومة ضد التدخلات الخارجية، مما يعيد تركيز الدعم الإقليمي والدولي نحو القضية اليمنية باعتبارها جزءًا من أمن واستقرار العالم العربي.

من جهة أخرى، الدروس المستخلصة من الأزمة السورية يجب أن تكون حاضرة في كل خطوة تتخذها القيادة اليمنية. لقد أظهرت الأحداث أن القوة لا تكمن فقط في السلاح، بل في القدرة على إدارة الصراعات بحكمة، واستثمار التناقضات، وتحويل التحديات إلى فرص.

إن انشغال المجتمع الدولي بالأزمة السورية قد يتيح لليمنيين فرصة لالتقاط الأنفاس وإعادة ترتيب أولوياتهم. يمكن للحكومة أن تستغل هذا الهدوء النسبي لتعزيز مؤسساتها، وإطلاق مشاريع إعادة الإعمار، وفتح قنوات للتواصل مع القوى المؤثرة دوليًا.

في لحظة تاريخية كهذه، لا يمكن أن يقتصر الطموح على مجرد استعادة السيطرة، بل يجب أن يتعداه إلى بناء يمن جديد، قوي ومتماسك، يقف كحصن في وجه كل محاولات الهيمنة أو العبث بأمنه واستقراره. المستقبل لا يُمنح، بل يُصنع، واليمن أمام فرصة لا تتكرر ليصنع مستقبله بيديه.

هذه ليست دعوة للانتظار، بل نداء للتحرك المدروس الذي يضع اليمن في قلب المعادلة الإقليمية، ويؤسس لمرحلة جديدة من التوازنات الإيجابية التي تخدم مصلحة الوطن وتعيد له مكانته المستحقة. القيادة الحكيمة والنخب الوطنية أمام اختبار تاريخي لإثبات أن اليمن قادر على النهوض، مستفيدًا من التحولات الإقليمية، وراسخًا في انتمائه العروبي.

إن اليمن، كما كان دائمًا، قادر على تجاوز محنه، ومصمم على استعادة دوره الفاعل في المنطقة. الفرصة بين أيدينا، والتاريخ لن يرحم من يقف مترددًا. لقد آن الأوان لأن نكون في موقع الفعل، لا رد الفعل، وأن نثبت للعالم أن اليمن عصي على الانكسار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى