كتابات

الصريمي.. أبجدية الأرض والثورة

مصباح الغوري:

يمثل رحيل الشاعر الدكتور سلطان الصريمي كسوفا جديدا في فضاء الشعر اليمني وجرحا عميقا في جسد القصيدة في زمن ضاق بالشعر وبأهله. فراحوا يأفلون تباعا وبلا ضجيج حاملين معهم آمالهم المؤجلة في وطن يتنسم أجواء الانعتاق ويعيش على خبز القصيدة.

مات الصريمي.. بعد خمسة عقود من الإبحار في خضم الكلمة الشاعرة التي عاش معها هموم الإنسان اليمني في الداخل والخارج. تارة ثائرا يرفض التسلط والقمع وتارة فلاحا يسقي الأرض من عرق جبينه. وتارة راعيا يشكو اليباب القاتل من حوله ويحلم بالمروج الخضر تتفيؤ آماله ظلالها الوارفة. ويعزف لها بشبابته الشاعرة لحن الحقول والوديان.

عرفنا الصريمي صغارا وفي بداية سبعينيات العقد الفائت من خلال مسعود الذي ضاقت به بلاده فهجرها طلبا للرزق تاركا وراءه زوجة حزينة تقطع السنوات طويلة ممضة في انتظار الغائب الذي لم يعد ووليدا لن تكتحل عيناه بملامح أب أكلته الغربة ودفنه التشرد. وعرفناه عبر فلاح مهان يشكو للراعية سطوة الجراد البشري على أرضه ومحاصيله. ثم كبرنا قليلا فاقتربنا منه أكثر وأنصتنا إليه وهو يصرخ في نشوان محرضا على كسر جدار الخوف وأخذ حقوقه من أولئك الطغاة الذين باعوا أصابع الوطن. ثم رموا به جثة هامدة مرعئ للهوام والديدان.

كما عرفناه بوحا شفافا وغزلا دافقا بشكو عبر صوت أيوب هجر الحبيب ولوافح الحرمان وأعاصير الشجن.

ومع أن الصريمي أصدر أكثر من ثمان مجموعات شعرية معظمها بالفصحى. منها: أبجدية البحر والثورة. ونشوان وأحزان الشمس. وهموم إيقاعية. وقال الصريمي. وزهرة المرجان؛ إلا أنه اشتهر كشاعر أغنية أكثر من شهرته كشاعر ناشر.

ولد الدكتور سلطان سعيد حيدر شمسان الصريمي عام 1948 في بلدة القريشة في محافظة تعز وواصل تعليمه حتى حصل على درجة الدكتوراه في الأدب والصراع السياسي عام 1985. ثم تنقل في عدد من الوظائف الإدارية في إب والحديدة وصنعاء. وفاز بعضوية مجلس النواب عن مديرية الشمايتين عام 1993 ثم عين ملحقا ثقافيا للسفارة اليمنية في القاهرة عام2012.

وإلى جانب ذلك عمل الفقيد محاضرا في عدد من الجامعات اليمنية وصحفيا إداريا لعدد من الصحف الصادرة عن الحزب الاشتراكي اليمني.

رحم الله الدكتور سلطان الصريمي. فقد كان مثالا للمثقف الواعي. مؤمنا بقيم العدالة والحرية والتعايش. مؤكدا على أن التأطير الحزبي وسيلة لتنظيم الجهود وليس قطيعة وخصاما مع الآخرين.

من شعره:

يا آخرَ الخلقِ إبداعًا وإنسانا

وآخرَ الشعرِ إصرارًا وإيمانا

وآخرَ الألقِ الوضاءِ في وطنٍ

وهبتَه العمرَ  مسكونًا وهيمانا

وكنتَ كلَّ عطاءِ اللهِ في زمنٍ

يكنُّ للحرفِ أحقادًا وعُـدْوانا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى